قصة ألمانيا بعد الحرب العالمية – المعجزة الاقتصادية

تدمرت ألمانيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية التي بدأتها هي وتضرر جزء كبير جداً من بنيتها التحتية. ولقد تسوية مدن بأكملها على الأرض مثل مدينة “دريزدن”، كما نقص عدد سكان مدية “كولون” من 750.000 إلى 32.000 نسمة أي بنسبة 96% من عدد سكان المدينة. كما ألقى الجوع بظلاله على الناس حيث كانت قوات الحلفاء تخصص 1000 سعرة حرارية باليوم للشخص الواحد وهذا أقل بكثير مما يحتاجه الجسم يومياً. كما أصبحت العملة الألمانية “المارك” عديم القيمة واضطر الناس إلى الرجوع لمبدأ المقايضة من أجل تلبية احتياجاتهم. وأصبحت ألمانيا في ذلك الوقت دولة مدمرة تواجه مستقبل مظلم يصعب التنبؤ به.

بعد سقوط جدار برلين عام 1989 عادت ألمانيا موحدة من جديد، وأصبحت من أكبر الاقتصادات في العالم. وأطلق على النهضة الاقتصادية الألمانية “المعجزة الاقتصادية الألمانية.

لعل من أبرز الشخصيات التي ساهمت في نهضة ألمانيا الحديثة هو “وولتر يوكين” الذي عمل مدرساً في جامعة “فرايبرغ” الألمانية وحاز فيها على شهرة عالمية. حيث قام “يوكين” بتطوير نظرياته الاقتصادية والتي اطلق عليها اسم “مدرسة فرايبرغ”. كانت أفكاره مستمدة ومتأصلة في السوق الحرة الرأسمالية وكان يؤمن بأن هذا النظام قادر على تحقيق أكبر فائدة لأكبر عدد من الناس. وأيد فكرة وجود بنك مركزي مستقل عن الحكومة ليركز على السياسات النقدية لضمان استقرار الأسعار. أفكاره هذه تعتبر في يومنا شيء طبيعي ولكن في ذلك الوقت كان ينظر إليها على أنها أفكار غريبة ومتطرفة جداً.

شخص آخر يدعى “لودووغ أرهارد” الذي عمل باحثاً في منظمة معروفة كانت تركز على الأنشطة الاقتصادية لقطاع المطاعم. كان قد كتب مقالة جريئة سابقاً في عام 1944 ناقش فيها الوضع المالي الألماني فيما هُزم النازيون في الحرب. تم تعيين “ارهارد” وزيراً للمالية في “بافاريا” بعد استسلام الألمان في الحرب، ثم ترقى وأصبح مدير المجلس الاقتصادي لألمانيا الغربية. لقد بذل هذا الرجل جهداً جباراً في جوانب عديدة في اقتصاد ألمانيا الغربية، حيث لعب دوراً كبيراً في تشكيل عملة جديدة لتحل مكان “المارك” الذي أصبح بلا قيمة. إن طرح عملة جديدة أدى إلى تخفيض كمية العملة المتوفرة لدى عامة الناس بنسبة 93%، وبالتالي تقلص حجم الثروة التي كان يمتلكها الأفراد وحتى الشركات الألمانية. إضافةً إلى منح تخفيضات ضريبية من أجل تحفيز الإنفاق والاستثمار.

عادت ألمانيا الغربية إلى الحياة فغصت المحلات بالبضائع وتوقف مبدأ المقايضة وعادت الأسواق التجارية إلى العمل مجدداً وأصبح الناس يقبلون على العمل بشكل كبير. هذا كله لأنهم أدركوا أن العملة الجديدة ذات قيمة.

خطة مارشال: ساهم برنامج الانتعاش الأوروبي الذي أعده وزير خارجية الولايات المتحدة “جورج مارشال” في نهضة ألمانيا الجديدة. حيث قدمت الولايات المتحدة 14 مليار دولار للدول الأوروبية التي تضررت من الحرب العالمية الثانية وذهبت حصة كبيرة من هذه النقود إلى ألمانيا كونها المتضرر الأكبر من هذه الحرب. ولكن على كل حال “خطة مارشال” بحسب الكثير من المحللين الاقتصاديين ساهمت بأقل من 5% فقط في إعادة ألمانيا إلى الواجهة.

استمرت ألمانيا الغربية بالنمو حتى أصبح الانتاج الألماني الصناعي في عام 1958 أعلى بأربع مرات مما كان عليه في عام 1948.

لم يكن هناك أي مقارنة بين ألمانيا الغربية المزدهرة وبين ألمانيا الشرقية التي كانت ضعيفة الاقتصاد ونقصت فيها الحريات السياسية مما أدى إلى ظهور الاحتجاجات فيها. ولعل مغادرة أعداد هائلة من الناس من ألمانيا الشرقية إلى قسمها الغربي كان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار جدار برلين وتم توحيد البلدين من جديد.

 

سجل هنا واحصل على
عرض مميز للتداول اونلاين

 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*